حديث صحيح عن الأم: معاني عظيمة ودروس خالدة في الإسلام
الأم، ذلك الكائن الذي يبعث في قلوبنا الدفء والحنان، وتبقى صورتها في ذهننا مخلدة لا يغيب عنها النور أبداً. ففي الإسلام، تمثل الأم مكانة عظيمة لا تضاهيها مكانة، وقد كُرمت في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، حيث جاء الحديث عنها بأبلغ الكلمات وأروع الأوصاف. لقد جعل الإسلام من بر الأم واجباً أساسياً، وأوجب على المسلم أن يوليها أقصى درجات الاحترام والرعاية.
من أبرز ما ورد في السنة النبوية الشريفة عن الأم هو الحديث الصحيح الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من الأحاديث، حيث أكد على حقوقها وأهميتها، وذكر الأجر العظيم الذي ينتظر من يوليها حقها من البر والطاعة.
الحديث الصحيح: “أمك ثم أمك ثم أمك”
من الأحاديث الشهيرة في هذا المجال حديث الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، الذي نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:
“يا عبد الله بن مسعود، أتدري ما حقك على الناس؟ قال: نعم، قلت: حقك على الناس أن تكون قسماً في الجنة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أمك ثم أمك ثم أمك، ثم أباك ثم غير ذلك.”
هذا الحديث يعتبر من الأحاديث الشاملة التي تضع الأم في مكانة عظيمة وأعظم من الأب. هذا التكريم يتجلى في التأكيد المتكرر على الأم، حيث كرر النبي صلى الله عليه وسلم كلمة “أمك” ثلاث مرات، ثم جاء ذكر الأب. وقد فُسرت هذه التكرارية بأن الأم تحظى بمكانة خاصة لعدة أسباب.
تفسير الحديث: معاني الأمومة في الإسلام
-
مراحل الحمل والوضع
إن مكانة الأم في الإسلام لم تأتِ من فراغ، بل هي نتيجة للألم والمشقة التي تتحملها أثناء فترة الحمل والولادة. الحمل ليس بالأمر اليسير، بل هو من أصعب المراحل التي قد تمر بها المرأة في حياتها. أوجاع الحمل، ما يرافقها من اضطرابات جسدية ونفسية، كل هذا يتحملته الأم بصبر وجلد. وعندما تأتي لحظة الولادة، فإن الأم تتحمل ألام المخاض والولادة، بل وبعض الأمهات قد يخسرن حياتهن في سبيل أن ترى الحياة الصغيرة النور. -
التضحية والرعاية
بعد الولادة، تبدأ رحلة أخرى من المعاناة والمشقة، حيث تبذل الأم كل ما في وسعها من أجل رعاية طفلها. تتخلى عن راحتها من أجل راحة طفلها، وتكرس وقتها وجهدها لتلبية احتياجاته. إن فطرة الأم تملأ قلبها بالحب، مما يدفعها إلى التضحية براحتها النفسية والجسدية دون أن تنتظر جزاء. -
المسؤولية المستمرة
الأم لا تتوقف مسؤولياتها بمجرد أن يكبر الطفل، بل تظل تراعيه وتتابع اهتمامها به على مختلف مراحل حياته. من الطفولة إلى المراهقة ثم إلى الشباب والرجولة، تظل الأم هي الداعم الأكبر له، تقدم له نصائحها وتوجيها، وتكون بجانبه في الأوقات الصعبة. إنها المدرسة الأولى التي يتعلم منها الطفل، والقدوة الحسنة التي يسترشد بها في حياته.
الأم في القرآن الكريم: مكانتها بين الآيات
إن الإسلام لم يقتصر على ذكر الأم في السنة النبوية فقط، بل جاء القرآن الكريم ليؤكد على مكانتها ويعزز من هذا الفهم. فقد ورد في العديد من الآيات التي تذكر دور الأم وأهمية برها، وأبرز هذه الآيات هي:
“وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالهُ فِي عَامَيْنِ ۚ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ” (لقمان: 14)
هذه الآية تبيّن التعب والمشقة التي مرّت بها الأم أثناء فترة الحمل والرضاعة. وفي نفس الوقت، فهي تأمر الأبناء بالشكر لله عز وجل وللوالدين. الشكر الذي يتجلى في رعايتهما والقيام على خدمتهما بكل حب وطاعة، مع العلم أن هذا حق من حقوق الأم ليس فقط في حياة الأبناء، بل في الدار الآخرة كذلك.
آثار بر الأم في حياة المسلم
إن بر الأم لا يعد فقط عملًا ماديًا، بل هو عمل قلبي وروحي. عندما يبر الإنسان أمه، فإنه يعبر عن احترامه وتقديره لها، وهذا يعكس في حياته أجرًا وثمارًا عظيمة. من أهم الآثار التي ينالها المسلم عند بره بأمه:
-
الراحة النفسية
إن البر بالأم يحقق للإنسان راحة نفسية كبيرة، حيث يشعر بالسلام الداخلي لأنه قد قام بالواجب الذي أمره الله به. يشعر المسلم بطمأنينة القلب وراحة الضمير، وهو في نفس الوقت يحقق رغبة الأم في أن يتم الاهتمام بها ورعايتها. -
البركة في العمر والرزق
لقد ورد في الحديث النبوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:“من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُمد له في عمره، فليصل رحمه.”
وفي الحديث الآخر:
“من بر والدته، برّه الله في عمره ورزقه.”
إن البر بالأم يعد من أعظم أسباب البركة في الحياة. وهذا يتضح في جوانب عديدة، سواء في المال، في الصحة، أو حتى في العلاقات الاجتماعية.
-
الارتقاء في درجات الجنة
بر الأم يفتح للإنسان أبواب الجنة، كما جاء في الحديث الصحيح الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:“الجنة تحت أقدام الأمهات.”
هذا الحديث يشير إلى أن طاعة الأم وبرها هو طريق مباشر للوصول إلى الجنة. فالأم هي الجسر الذي يربط بين الأرض والسماء، ومن يبرها، يفتح له الله أبواب الجنة.
حالات خاصة في بر الأم
في بعض الحالات، قد يتعرض المسلم لاختبار حقيقي في بره بأمه. فإما أن تكون الأم في حالة مرضية، أو قد تكون في مرحلة متقدمة من العمر، فتتطلب العناية الخاصة والمزيد من الجهد والتفاني. كما أن الأم قد تكون في حالة مرضية مزمنة، ويكون الأمر في بعض الأحيان مرهقًا على الأبناء، ومع ذلك، يجب أن يتذكر المسلم أنه ما من جهد يُبذل في هذا السبيل إلا ويعد في ميزان حسناته.
الخاتمة
يظل الحديث عن الأم وعظمتها حديثًا مستمرًا، لا يمكن حصره في بضعة كلمات أو سطور. في الإسلام، تظل الأم هي مصدر الرحمة والحنان، وأعظم مخلوق على وجه الأرض يجب على المسلم أن يوليها كل الاحترام والبر. إن بر الأم يعد من أعظم الأعمال وأحبها إلى الله، وهو الوسيلة الأقوى لبلوغ مرضاته ورضاه عن الإنسان.
